الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الرّاعي ووطن الرّعاة: أو ما تبقّى من سيرة جائزة نوبل الارهابي

نشر في  03 جوان 2017  (15:38)

بقلم حاتم التليلي
بين راعي الغنم ورعاة الحوار الوطني يقف نوبل، يمسك هو الآخر بجراب يمتلأ برؤوس الموتى، ويحصد ألسنة الأطفال، ويبايع تجّار السلاح سرّا، بينما يهب الصّبر إلى رجال القرى، ويضلّل خردة الإعلام بما ملكت أيمان السياسيين، ولا يهدأ إلا إذا ثمل بكأس من دم حارّ.
 
وإنّه لمن الواضح، بعد طقوس التأبين الجنائزيّ التي ضربت الآلهة معلنة أفولها، أو وجّهتها أرضيا كي تحمل السلاح وتقاتل، بغية فتح خرائط جيوسياسية ينتعش منها تجّار الأسلحة، صار من الممكن ولادة أنبياء جدد، من سلالة الحرائق في القمم، مثلما يدينون هذه الآلهة الجديدة، المصنوعة سلفا، والمتخضّبة في رائحة الشواء البشري، يدينون أيضا معابدها ومصانعها ونزواتها التي باتت تتحرّك بضربة زرّ آلي يمارسها سيكلوب جديد في غرفة ذلك التاجر. هؤلاء الأنبياء، هم آخر ما تبقّى من الإنسانية، وطفوليتها المغتصبة وفقا للهيجان الشهوي، البيدوفيلي، والذي تمارسه السلطة وكروموزومها المتعرّق.
 
نوبل، السجين خارج صالونات الإبداع، يتطاوس الآن بجرّة قلم تحمله حوافر الكولونيالي: لصّ الثورات، مهندس الانقلابات، مموّل شركات الدمّ، قاطف الرؤوس، تاجر الأكباد، مروّض الخونة، صانع التضليل. نوبل الآن، نزيل كالماء في مفاصل رعاة الحوار الوطني، مثل أفيون يقلعك إلى المطلق، تتسامى عن اليوميّ، تبتعد عن التفاصيل، وإذا ما قتل فيهم ألف شهيد أعمتهم الفرحة ووهمها المضاعف.
 
ثمّة رعاة، هم في حقيقة الأمر، نموذجا فريدا على ذلك الاصطبل السياسي، والخردة الإعلامية، كانت نشأتهم وشرعيتهم موغلة في الانغراس ضمن تربة المغالطات المافيوزية، تلك التي زرعها الكولونيالي، ومجّدها بأصنام مجده الضائع باسم نوبل، ونوبل لو تنحت مفاهيمه آنيا وفقا لما قاله الرائع جيل دولوز، لصارت دلالاته إرهابا لا مرئيا.
 
ثمّة أيضا رعاة، جيش من الجماهير، لا مهمّة أنطولوجية له الآن سوى أن يصفّق ويرقص على أكثر من حبل، وهم بذلك صيغة عليا من الانشطار النّــــــوبليّ (نسبة إلى نوبل)، فمن مجده القديم نبتت رغبتهم الهائجة في رؤية أوطانهم تخفق في سيرة السلام، ومن ابتذاله الحديث نبت أيضا عجزهم على تفكيك واقعهم، فسقطوا إزاء حالة من العدمية تهدم كلّ شيء.
 
ولكنّ الأنبياء، خلفاء طفولية الإنسان، وجينات الآلهة قبل موتها، وحدهم لم يسلكوا غير طرق المقاومة، أو لم يسلكوا طرق الرغبة في دخول معادلة الحيض العالمي المقرف، هؤلاء المنسيون جدّا، والمذبوحين جدّا، والمنكّل بهم جدّا: رؤوسهم المعلّقة على أغصان شجر المغيلة وجبل سمامة، وألسنتهم داخل حناجرهم، وأمعاءهم حبال غسيل تنشر فوقها عمائم القتلة الإرهابيين، ينساهم نوبل وأتباعه من رجال الإعلام والأعمال وضباع الخردة السياسية وكلاب من سلالة التيتانات الجديدة، وكأنّ الثورات لا تسير إلا مقلوبة، أو كأنّ لا مزيّة لها إلا الإعلان عن خصي البعد الانساني فينا.
 
نعم، لقد ذبح مبروك السلطاني السنة الفارطة، ثم ذبح أخيه اليوم، بينما نوبل يتحوّل الآن إلى زعيم سماوي يحقق الأتراكسيا والطمأنينة النفسية في قلوب اللصوص وتجّار الموت، وصار أيضا مهدويّ دجّال يركب العاصفة الإعلامية ليخرس كل صوت ناقد يكشف جوهر الحقائق، وصار قائدا يوجّه أسراب الكاتيوشا أيضا.
 
نوبل، نحتت له مفهومات جديدة، صار نيكروفيليا يهوى مضاجعة كلّ الجثث والضحايا في جبل المغيلة سمامة والشعانبي، ويخفي سرّا اسم ذلك الرّاعي، البسيط بساطة الأغنيات التي يردّدها على صداها، فلا أنبياء جدد يريد بعد قتله كلّ الآلهة، ولا عالم غير بيترولي اللون يريد.
 
ولنصمت، صمتا مدويّا، فهذا ما تبقّى من نوبل الإرهابي في أزمنة رعاة الحوار الوطني، أو لنقل: إن هؤلاء الرّعاة كلاب محض، إنّ ذلك الرّاعي أسمى من نبيّهم، وسيان:
لقد صار الوطن مرحاضا تتناسل فيه بكتيريا الأصوليات المعاصرة لا غير.